الشيزوفرينيا أو انفصام الشخصية
تُعدّ الشيزوفرينيا، أو الفصام العقلي (بالإنجليزية: Schizophrenia)، اضطرابًا نفسيًا معقدًا ومزمنًا يؤثر على كيفية تفسير الشخص للواقع. يُعاني المصابون بهذا الاضطراب من مجموعة من الأعراض التي تشمل الهلوسات، الأوهام، اضطرابات التفكير، وفقدان الحافز. غالبًا ما يؤدي هذا المرض إلى صعوبات كبيرة في الحياة اليومية، بما في ذلك التفاعلات الاجتماعية والعمل والرعاية الذاتية.
الشيزوفرينيا ليست انقسامًا في الشخصية، كما قد يُعتقد خطأً، بل هي حالة تؤدي إلى صعوبة في التمييز بين ما هو واقعي وما هو خيالي. يمكن أن يعاني المصابون من نوبات ذهانية تجعلهم يفقدون الارتباط بالواقع، لكن يمكن السيطرة عليها من خلال العلاج.
انتشار المرض
يصيب الفصام حوالي 1% من سكان العالم، مما يجعله من الأمراض النفسية غير النادرة. يُلاحظ أنه يؤثر على الرجال والنساء بشكل متساوٍ نسبيًا، لكن العمر الذي يظهر فيه المرض يختلف. غالبًا ما يظهر المرض عند الرجال قبل سن 25 عامًا، بينما يظهر عند النساء بين عمر 25 و35 عامًا. يُعتبر ظهور المرض في مرحلة الطفولة أو بعد سن 40 أمرًا نادرًا.
أعراض الشيزوفرينيا
الأعراض المبكرة
في المراحل الأولى، قد تظهر أعراض بسيطة وغير واضحة تُعرف بمرحلة البادرة (Prodromal Period)، التي قد تمتد من أيام إلى سنوات. تشمل الأعراض المبكرة:
- الاكتئاب أو الانعزال الاجتماعي.
- فقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية.
- صعوبة في التركيز والنسيان.
- اضطرابات النوم (الأرق أو كثرة النوم).
- تصرفات غير منطقية أو استخدام لغة غريبة أثناء الحديث.
- العدوانية أو الحساسية المفرطة للانتقادات.
الأعراض الرئيسية
تتفاوت الأعراض الرئيسية للشيزوفرينيا في حدتها من شخص إلى آخر، ويمكن تقسيمها إلى:
1. الأعراض الإيجابية
هذه الأعراض تُشير إلى وجود إضافات غير طبيعية إلى سلوك المريض، مثل:
- الأوهام: اعتقادات خاطئة وثابتة، مثل الإيمان بأن أحدًا يتآمر عليه.
- الهلوسات: سماع أصوات أو رؤية أشياء غير موجودة.
- الكلام غير المنتظم: التحدث بطريقة غير مفهومة أو الانتقال بين المواضيع بشكل غير مترابط.
- السلوك غير المنظم: صعوبة في تنفيذ المهام اليومية والاعتناء بالنفس.
2. الأعراض السلبية
ترتبط بانخفاض القدرات الطبيعية:
- قلة التعبير عن المشاعر.
- انعدام الحافز واللامبالاة.
- العزلة الاجتماعية.
- صعوبة بدء الأنشطة أو الاستمرار فيها.
3. الأعراض الإدراكية
تؤثر هذه الأعراض على التفكير والإدراك:
- ضعف القدرة على اتخاذ القرارات.
- صعوبة فهم المعلومات واستخدامها.
- مشاكل في التركيز والذاكرة.
أسباب الشيزوفرينيا وعوامل الخطر
1. العوامل الوراثية والجينية
تلعب الوراثة دورًا هامًا في الإصابة بالفصام، حيث تزداد احتمالية الإصابة إذا كان أحد أفراد العائلة المباشرين مصابًا بالمرض. ومع ذلك، لا يُعزى المرض إلى جين واحد، بل إلى تفاعل معقد بين عدة جينات.
2. العوامل البيئية
تشمل العوامل البيئية التي قد تزيد من خطر الإصابة:
- التعرض للعدوى الفيروسية أثناء الحمل.
- التعرض للسموم مثل الرصاص.
- مضاعفات الحمل والولادة، مثل نقص الأكسجين أو انخفاض الوزن عند الولادة.
3. تعاطي المواد المخدرة
يُعدّ تعاطي المخدرات مثل القنب أو المنشطات محفزًا لظهور أعراض الفصام لدى الأشخاص الذين لديهم استعداد وراثي للإصابة.
4. التغيرات في الدماغ
تشير الأبحاث إلى وجود اختلافات في بنية الدماغ ووظائفه لدى المصابين بالفصام، مثل اختلال مستويات الدوبامين، وهو ناقل عصبي مرتبط بالمزاج والتفكير.
5. الإجهاد والضغوط النفسية
قد تُحفز الأحداث العاطفية الكبرى، مثل الطلاق أو فقدان العمل، نوبات المرض لدى الأشخاص المهيئين وراثيًا.
تشخيص الشيزوفرينيا
يتطلب التشخيص الدقيق للفصام تقييمًا شاملًا من قبل طبيب نفسي، حيث يعتمد على:
- الأعراض: يجب أن يعاني المريض من عرضين أو أكثر من الأعراض الرئيسية لمدة شهر على الأقل، بما في ذلك الهلوسات أو الأوهام.
- التاريخ الطبي: يتم استبعاد الأسباب الطبية الأخرى للأعراض، مثل الأمراض العصبية أو الإدمان.
- الاختبارات والفحوصات: قد تُستخدم تقنيات مثل التصوير بالرنين المغناطيسي أو اختبارات الدم لاستبعاد الحالات الأخرى.
علاج الشيزوفرينيا
1. العلاج الدوائي
الأدوية المضادة للذهان هي الخط الأساسي للعلاج، وتعمل على تنظيم مستويات الدوبامين في الدماغ. تُقسم هذه الأدوية إلى:
- الجيل الأول: مثل هالوبيريدول وكلوربرومازين. تتميز بفعاليتها لكنها قد تُسبب آثارًا جانبية حركية.
- الجيل الثاني: مثل ريسبيريدون وأولانزابين. تُعد أقل عرضة للآثار الجانبية الحركية ولكنها قد تُسبب زيادة في الوزن.
2. العلاج النفسي
- العلاج الفردي: يُساعد المريض على فهم مرضه والتعامل مع الضغوط.
- العلاج السلوكي المعرفي: يُساعد في التغلب على الأوهام وتحسين التفكير.
- العلاج الأسري: يُعزز الدعم العائلي لفهم المرض وتقديم الدعم.
3. التأهيل الاجتماعي والمهني
يهدف إلى مساعدة المرضى على استعادة دورهم في المجتمع من خلال:
- التدريب على المهارات الاجتماعية.
- الدعم في إيجاد وظائف مناسبة.
4. العلاج بالاستشفاء
في الحالات الحادة أو أثناء النوبات الذهانية، قد يتطلب المريض دخول المستشفى لتلقي العلاج المكثف.
مضاعفات الشيزوفرينيا
بدون علاج، يمكن أن يُسبب الفصام العديد من المضاعفات، مثل:
- العزلة الاجتماعية.
- صعوبات مهنية وأكاديمية.
- مشاكل صحية ناجمة عن إهمال الرعاية الذاتية.
التعايش مع الشيزوفرينيا
يتطلب التعايش مع الفصام التزامًا بالعلاج وتعاونًا بين المريض، العائلة، والفريق الطبي. تشمل الخطوات العملية:
- تناول الأدوية بانتظام: للوقاية من الانتكاسات.
- الالتزام بالجلسات العلاجية: لتعزيز المهارات الحياتية.
- تبني أسلوب حياة صحي: من خلال ممارسة الرياضة وتجنب المخدرات.
الشيزوفرينيا مرض نفسي معقد يؤثر على العديد من جوانب الحياة، لكنه لا يعني نهاية الطريق. بفضل التطورات في العلاج الدوائي والنفسي، يمكن للمصابين بالفصام تحسين جودة حياتهم وإدارة الأعراض بفعالية.